من غرائب ما يحدث معي

من غرائب ما يحدث معي


من غرائب ما يحدث معي أن نفسي تراودني عن نفسي بين الفينة والأخرى. كلما عدت من جلسة حميمية بين يدي القلم إلا وتلقفتني بوابل من الوساوس الخناسة تحاول النزغ بيني وبينه بكل ما أوتيت من حقد وغل:
  ‐ أين كنت؟
  + في الجوار.
  - مع من؟
  + أحد الرفقاء.
  - ما علمت لك إلا رفيقا واحدا.
تسكت قليلا منتظرة ردة فعلي، حتى إذا يئست من جوابي صاحت في وجهي غاضبة:
  - هيا، قلها صراحة! لقد كنت معه.. والله لقد كنت معه.. أنا متأكدة من أنك أمضيت الوقت كله مع القلم..
أحاول أن أداري عويلها باستفزاز بارد، فأقول:
  + لم أعهدك غيورة من الرجال أيضا.
  - هل أفرغت له همومك مرة أخرى؟
  + ها أنت قد بدأت مرة أخرى.
  - أعجب، كيف لك أن تصاحب مثل ذاك اللئيم!
  + بل صديق صدوق، ووفي.
  - إنه يفشي كل أسرارك لزوجته.
  + الورقة؟! إنها لا تفارقه أينما ذهب، وكل جلساتنا تكون في حضرتها، تسمع مني مباشرة.
  ‐ تلك الحقيرة تنشر أخبارك للملأ يقرأها كل من هب ودب..
أشيح بوجهي عنها، وأنا أردد:
  + تحملت منك الكثير. إياك أن تعيدي ذكر أحبابي بسوء مرة أخرى.
  - بت تدافع عنها؟!!
  + أجل، وكيف لا أفعل وهي زوجة صديقي وصديقتي أيضا؟! ثم إن لها صدرا رحبا، وقلبا ناصع البياض.
  - ويحك يا رجل! أتمدح على مسمعي أنثى غيري وأنا زوجتك المخلصة؟!
  - ما أنت إلا أنانية، لوامة، أمارة بالسوء، شيطانة، وحقيرة.
  - أتكرهني إلى هذا الحد؟
  + إلى هذا الحد؟! بل أكثر.. أكثر بكثير..
  - لم تزوجتني إذن؟ طلقني!
  + لم يكن لي خيار، ولو ملكت أن أطلقك لفعلت على الفور.
  - ومن ستعتني بك بعدي يا عبقري؟
  + سأتزوج.
  - ممن؟
  + امرأة هادئة كـ..
  - كمن؟!
  + كالمقيرة مثلا.
تفجر قهقهة مدوية تكاد تشق جمجمتي نصفين قبل أن تنطق ساخرة:
  - أتطلق زوجتك لأجل عجوز بالية طاعنة في السن؟!! إن جنونك هذا فاق بن الملوح بسنوات ضوئية..
  + لو تعلمين مدى حكمتها، وما يحوي حديثها من عبر...
  - كفى هراءْ! أعلم أنك تحبني، هيا أخبرني بحقيقتك!
أرد على تراهاتها بابتسامة ساخرة.
  - لقد ابتسمت.. أقسم إنك تحبني.. بل تموت في هواي..
  - يا لك من أفعى تتمايلين!!
  + ها قد بدأ الغزل يا سادة.
  + وأين الغزل فيما قلت يا إنشتاينة!
  - نعتني بالأفعى وهي جميلة.
  + أنت مثيرة للشفقة.
  ‐ ومثيرة أيضا.. أسلوبك الغزلي آخذ في الصعود.. ألم أقل لك؟..
...وهكذا يطول جدال النفس هذا، ويستمر إلى أن أفيق على نغمات صوت أمي الحنون، وهي تلوح بيدها أمام ناظري، تسأل عما يشغل بالي إلى هذا الحد، فماذا أقول لها يا ترى؟!!
يبدو أني قد جننت حقا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق