الذين يتَّبعون الشهوات

الذين يتَّبعون الشهوات



مَن هم الذين يتَّبعون الشهوات؟

وماذا يُريدون منا؟

اختلف أهلُ التفسير في الموصوفين باتِّباع الشهوات، فقيل: هم اليهود والنصارى، وقيل: هم المجوس؛ لأنَّهم يُحلُّون نِكاح الأخوات وبنات الأخ والأخت، وقيل: هم الزُّناة، يريدون أن تَميلوا عن الحقِّ فتزنون كما يزنون، والصحيح: هم جميعُ أهل الباطل، وقُدوتهم وقائدهم إبليس؛ أوَّل مَن عصى الله واستكبر عن طاعته وكفَر به، وأغْوَى من أطاع ربه، وحسَدَه، وكان سببًا في إخراجه من الجنة، وأقسم على الاستمرارِ في إضلال ذريته إلى يوم البَعْث، وهكذا أتْباعه الذين يتبعون خُطواتِه، ويسيرون في شِعاب كفره، لا ينفعهم إنذار، ولا تُفيدهم الآيات، يأمرون بالمنكر، ويَنهَوْن عن المعروف؛ ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19].

إنَّهم كالأنعام يَلْهَثون وراءَ شهواتهم وأهوائهم، ليس لهم مِن غاية ولا هَدَف إلا في إطار الحياة الدنيا، فتجْمَعهم بقطعان الأنعام صِفةُ السعي الحثيث لتلبيةِ الشهوات، بل الأنعام تفضلهم؛ لأنَّها لم تخرج عن المهمَّة التي خلَقَها الله تعالى مِن أجْلها؛ قال - تعالى -: ﴿ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ [الفرقان: 44].

فهُم جُنْد الشيطان وأولياؤُه، وحِزْبه وأنصاره، وأعوانه وأتباعه، هو قائدهم وقدوتهم، على خُطاه يسيرون، ولدِينه يتَّبعون، خاضعون مستسلمون، لا يبغون عن شباكه فكاكًا، ولا عن شِراكه هربًا، لرايته رافعون، وللوائه عاقدون، وبِحَمْده مسبِّحون، وهُم مع ذلك غافلون لاهون، لا يشعرون أنَّهم إلى جهنَّمَ سيُسْحَبون، وفي النيران سيُعذَّبون، يومها يتبرأ الأتباع من المتبوعين، وتنكشِف الحقائق ويندمون، وقتَ لا ينفع الندم.

فهُم يتَّبعون الشهوات؛ حبائل الشيطان وخُطواته إلى غايته، وغاية الشيطان أنْ يَكفُرَ الناس؛ ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ ﴾ [الحشر: 16]، ليس له غاية غيرها، حمَلَهم على اتِّباعه حبُّ الشهوات وزِينتها التي استدرجهم بها ﴿ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [الحديد: 14]، وقد أخذ العهْد على نفسه بغوايتهم، ولكنَّهم غافلون؛ ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82 - 83].

حتى صار من جُنْد إبليس مِن الإنس مَن يفوق أقرانَه من الجن في صُوَرِ الفساد والإفساد، والغَواية والإضلال، بالصَّوْت والصورة، والمشهَد الملموس، والواقِع المحسوس، تجاوز الوسوسة، لا يردَعُه قراءة قارئ، ولا استعاذةُ مستعيذ، إنْ ذكَّرته سخِر منك، وإن تركتَه تلمَّس زلاتِك، وتعقَّب هَنَاتِك، حتى يفضحَك، لا يُرضيه إلا أن تكون قرينَه وحليفه، بل ومرشده لكلِّ فريسة غافلة، سخَّرَ وقتَه وجُهْدَه، وماله وقلمَه، وسلطانه للصدِّ عن سبيل الله.

زوَّده الشيطانُ بخِبرة آلاف السِّنين من التزيين والإغواء لبني البشَر، فكَمْ أضلَّ الشيطان من الأمم والشعوب، وصدَّهم عن السبيل، مِن آدم - عليه السلام - إلى يومِنا هذا، بل إلى يوم القِيامة؛ ﴿ فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ * يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ * يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 20 - 27].

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق