ماذا يريدون منا؟
يُريدون منَّا الميل، ولكن لا يَكفيهم أن نميلَ فقط، ولكن أن نميل ميلاً عظيمًا.
والميل عكْس الاستقامة، والاستقامةُ الهداية، والميل هو الانحراف، والميْل يكون انحرافًا من شيءٍ إلى شيءٍ فإنْ كان مع انقطاع الصِّلة بالأمْر الأول فهو الميْل العظيم.
فالمعصيةُ ميْلٌ عنِ الاستقامة مع بقاء تعلُّقِ القلْب بالإيمان، كما هي عقيدةُ أهل السنَّة والجماعة، وكلَّما قويتِ المعصية ضعُف ذلك التعلُّق حتى إذا حلَّ الكُفْر - والعياذ بالله - في القلْب خرج الإيمان، وانقطعتِ الصلة بالله، وهذا هو الميْل العظيم؛ ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].
فليستْ غاية الشيطان وأتباعه هي انتشارَ المعاصي بيْن المسلمين، ولكنَّها الخُطوات التي حذَّرنا الله منها: ﴿ وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ [البقرة: 168]، وانظر لخُطواته، ولا تكن كبرصيصَا العابد.
قال ابن عبَّاس: كان راهبٌ في الفترة يقال له: بَرَصيصَا، قد تعبَّد في صومعته سبعين سَنة، لم يعصِ الله فيها طرْفة عين، حتى أعيَا إبليس، فجمَع إبليس مردةَ الشياطين، فقال: ألا أجِد منكم مَن يكفيني أمْرَ برصيصا؟ فقال الأبيض، وهو صاحِب الأنبياء، فقال: أنا أكفيكَه.
فانطلق فتزيَّا بزيِّ الرهبان، وحلَّق وسط رأسه، حتى أتى صومعةَ برصيصا، فناداه فلم يُجبْه، وكان لا يَنفتِل من صلاته إلا في كلَّ عشرة أيام يومًا، ولا يفطر إلاَّ في كلِّ عشرة أيام، وكان يواصِل العشرة الأيَّام والعشرين والأكثر، فلمَّا رأى الأبيض أنَّه لا يجيبه، أقبلَ على العبادة في أصْل صومعته، فلمَّا انفتل برصيصا مِن صلاته، رأى الأبيض قائمًا يصلِّي في هيئة حَسَنة من هيئة الرُّهبان، فندِم حين لم يجبْه، فقال: ما حاجتُك؟ فقال: أن أكونَ معك، فأتأدَّب بأدبك، وأقتبس مِن عَملِك، ونجتمع على العبادة، فقال: إنِّي في شغل عنك، ثم أقبل على صلاته، وأقبل الأبيض أيضًا على الصلاة، فلمَّا رأى برصيصا شدَّةَ اجتهاده وعبادته، قال له: ما حاجتك؟ فقال: أن تأذنَ لي فأرتفع إليك، فأذِن له فأقام الأبيض معه حولاً لا يُفطِر إلا في كلِّ أربعين يومًا يومًا واحدًا، ولا ينفتِل من صلاته إلا في كلِّ أربعين يومًا، وربَّما مدَّ إلى الثمانين، فلما رأى برصيصا اجتهادَه تقاصرتْ إليه نفسُه، ثم قال الأبيض: عندي دعوات يَشفي الله بها السقيمَ، والمُبتلى والمجنون، فعلَّمه إيَّاها.
ثم جاء إلى إبليس، فقال: قد واللهِ أهلكتُ الرجل، ثم تعرَّض لرجل فخنَقَه، ثم قال لأهله - وقد تصوَّر في صورة الآدميِّين -: إنَّ بصاحبكم جنونًا أفأطبَّه؟ قالوا: نعم، فقال: لا أقْوى على جنيِّته، ولكن اذهبوا به إلى برصيصا، فإنَّ عنده اسمَ الله الأعظم، الذي إذا سُئِل به أعطى، وإذا دُعِي به أجاب، فجاؤوه فدَعَا بتلك الدعوات، فذهَب عنه الشيطان، ثم جعَل الأبيض يفعل بالناس ذلك، ويُرشدهم إلى برصيصا، فيُعافون، فانطلق إلى جاريةٍ من بنات الملوك بيْن ثلاثة إخوة، وكان أبوهم مَلِكًا فمات واستخلَف أخاه، وكان عمُّها ملكًا في بني إسرائيل فعذَّبها وخنقَها، ثم جاء إليهم في صورة رجل متطبِّب؛ ليعالجها، فقال: إنَّ شيطانَها مارد لا يُطاق، ولكن اذْهبوا بها إلى برصيصا، فدعوها عندَه، فإذا جاء شيطانُها دعا لها فبرِئتْ، فقالوا: لا يُجيبنا إلى هذا، قال: فابْنُوا صومعةً في جانب صومعته، ثم ضعوها فيها، وقولوا: هي أمانةٌ عندك فاحتسِبْ فيها، فسألوه ذلك فأبى، فبنوا صومعةً ووضعوا فيها الجارية، فلما انفتَل مِن صلاته عاين الجاريةَ، وما بها من الجمال فأُسْقِط في يده، فجاءَها الشيطان فخنَقَها، فانفتل من صلاته، ودعَا لها فذهب عنها الشيطان، ثم أقْبل على صلاته فجاءَها الشيطان فخنَقها، وكان يكشِف عنها ويتعرَّض بها لبرصيصا، ثم جاءَه الشيطان، فقال: ويحَك! واقِعْها، فما تجد مثلَها، ثم تتوب بعد ذلك، فلم يزل به حتى واقعَها فحملتْ وظهر حملُها، فقال له الشيطان: ويحَك! قد افتضحتَ، فهل لك أن تقتُلَها، ثم تتوب فلا تفتضح، فإنْ جاؤوك وسألوك فقل: جاءَها شيطانها فذَهَب بها، فقتَلَها برصيصا، ودفنها ليلاً، فأخذ الشيطان طرفَ ثوبها حتى بقي خارجًا من التراب، ورجَع برصيصا إلى صلاته.
ثم جاء الشيطانُ إلى إخوتها في المنام، فقال: إنَّ برصيصا فعَل بأختكم كذا وكذا، وقتَلَها ودفنَها في جبل كذا وكذا، فاستعْظَموا ذلك، وقالوا لبرصيصا: ما فعلتْ أُختنا؟ فقال: ذهب بها شيطانُها، فصدَّقوه وانصرفوا.
ثم جاءَهم الشيطان في المنام، وقال: إنها مدفونةٌ في موضع كذا وكذا، وإنَّ طَرْف ردائها خارجٌ من التراب، فانطلقوا فوجدوها، فهَدَّموا صومعته وأنزلوه وخنَقوه، وحملوه إلى الملِك فأقرَّ على نفسه فأمر بقتْلِه، فلما صُلِب قال الشيطان: أتَعرِفني؟ قال: لا والله، قال: أنا صاحبُك الذي علمتُك الدعوات، أما اتقيتَ الله، أما استحيت وأنت أعبدُ بني إسرائيل؟! ثم لم يَكفِك صنيعك حتى فضحتَ نفسك، وأقررتَ عليها، وفضحتَ أشباهك من الناس، فإنْ متَّ على هذه الحالة لم يفلحْ أحد من نظرائك بعدَك، فقال: كيف أصنع؟ قال: تُطيعني في خصلة واحدة وأنْجيك منهم، وآخذ بأعينهم، قال: وما ذاك؟ قال تسجُدُ لي سجدةً واحدة، فقال: أنا أفعل، فسجَد له من دون الله، فقال: يا برصيصا، هذا أردتُ منك، كان عاقبة أمرك أن كفرتَ بربِّك، إني برئ منك، إني أخاف الله ربَّ العالمين!
فما أراد الشيطان منه أن ينظرَ إلى الحرام ولا أن يخلوَ بأجنبية، بل ولا حتى أن يزنيَ بها ثم يقتُلها ووليدَها، إنما أراد أن يسجُدَ له، ويكفر بربه، فيكون من أصحاب النار، وبئس المصير.
فلا تظنَّ أنَّ أصحاب الأفلام والمسلسلات والحَفَلات والرَّقَصات، والقنوات والإذاعات، والصور والمجلات، يريدون أن نرتكبَ المعاصي، لا واللهِ، إنهم يريدون الميلَ العظيم؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36]
يُريدون منَّا الميل، ولكن لا يَكفيهم أن نميلَ فقط، ولكن أن نميل ميلاً عظيمًا.
والميل عكْس الاستقامة، والاستقامةُ الهداية، والميل هو الانحراف، والميْل يكون انحرافًا من شيءٍ إلى شيءٍ فإنْ كان مع انقطاع الصِّلة بالأمْر الأول فهو الميْل العظيم.
فالمعصيةُ ميْلٌ عنِ الاستقامة مع بقاء تعلُّقِ القلْب بالإيمان، كما هي عقيدةُ أهل السنَّة والجماعة، وكلَّما قويتِ المعصية ضعُف ذلك التعلُّق حتى إذا حلَّ الكُفْر - والعياذ بالله - في القلْب خرج الإيمان، وانقطعتِ الصلة بالله، وهذا هو الميْل العظيم؛ ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].
فليستْ غاية الشيطان وأتباعه هي انتشارَ المعاصي بيْن المسلمين، ولكنَّها الخُطوات التي حذَّرنا الله منها: ﴿ وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ﴾ [البقرة: 168]، وانظر لخُطواته، ولا تكن كبرصيصَا العابد.
قال ابن عبَّاس: كان راهبٌ في الفترة يقال له: بَرَصيصَا، قد تعبَّد في صومعته سبعين سَنة، لم يعصِ الله فيها طرْفة عين، حتى أعيَا إبليس، فجمَع إبليس مردةَ الشياطين، فقال: ألا أجِد منكم مَن يكفيني أمْرَ برصيصا؟ فقال الأبيض، وهو صاحِب الأنبياء، فقال: أنا أكفيكَه.
فانطلق فتزيَّا بزيِّ الرهبان، وحلَّق وسط رأسه، حتى أتى صومعةَ برصيصا، فناداه فلم يُجبْه، وكان لا يَنفتِل من صلاته إلا في كلَّ عشرة أيام يومًا، ولا يفطر إلاَّ في كلِّ عشرة أيام، وكان يواصِل العشرة الأيَّام والعشرين والأكثر، فلمَّا رأى الأبيض أنَّه لا يجيبه، أقبلَ على العبادة في أصْل صومعته، فلمَّا انفتل برصيصا مِن صلاته، رأى الأبيض قائمًا يصلِّي في هيئة حَسَنة من هيئة الرُّهبان، فندِم حين لم يجبْه، فقال: ما حاجتُك؟ فقال: أن أكونَ معك، فأتأدَّب بأدبك، وأقتبس مِن عَملِك، ونجتمع على العبادة، فقال: إنِّي في شغل عنك، ثم أقبل على صلاته، وأقبل الأبيض أيضًا على الصلاة، فلمَّا رأى برصيصا شدَّةَ اجتهاده وعبادته، قال له: ما حاجتك؟ فقال: أن تأذنَ لي فأرتفع إليك، فأذِن له فأقام الأبيض معه حولاً لا يُفطِر إلا في كلِّ أربعين يومًا يومًا واحدًا، ولا ينفتِل من صلاته إلا في كلِّ أربعين يومًا، وربَّما مدَّ إلى الثمانين، فلما رأى برصيصا اجتهادَه تقاصرتْ إليه نفسُه، ثم قال الأبيض: عندي دعوات يَشفي الله بها السقيمَ، والمُبتلى والمجنون، فعلَّمه إيَّاها.
ثم جاء إلى إبليس، فقال: قد واللهِ أهلكتُ الرجل، ثم تعرَّض لرجل فخنَقَه، ثم قال لأهله - وقد تصوَّر في صورة الآدميِّين -: إنَّ بصاحبكم جنونًا أفأطبَّه؟ قالوا: نعم، فقال: لا أقْوى على جنيِّته، ولكن اذهبوا به إلى برصيصا، فإنَّ عنده اسمَ الله الأعظم، الذي إذا سُئِل به أعطى، وإذا دُعِي به أجاب، فجاؤوه فدَعَا بتلك الدعوات، فذهَب عنه الشيطان، ثم جعَل الأبيض يفعل بالناس ذلك، ويُرشدهم إلى برصيصا، فيُعافون، فانطلق إلى جاريةٍ من بنات الملوك بيْن ثلاثة إخوة، وكان أبوهم مَلِكًا فمات واستخلَف أخاه، وكان عمُّها ملكًا في بني إسرائيل فعذَّبها وخنقَها، ثم جاء إليهم في صورة رجل متطبِّب؛ ليعالجها، فقال: إنَّ شيطانَها مارد لا يُطاق، ولكن اذْهبوا بها إلى برصيصا، فدعوها عندَه، فإذا جاء شيطانُها دعا لها فبرِئتْ، فقالوا: لا يُجيبنا إلى هذا، قال: فابْنُوا صومعةً في جانب صومعته، ثم ضعوها فيها، وقولوا: هي أمانةٌ عندك فاحتسِبْ فيها، فسألوه ذلك فأبى، فبنوا صومعةً ووضعوا فيها الجارية، فلما انفتَل مِن صلاته عاين الجاريةَ، وما بها من الجمال فأُسْقِط في يده، فجاءَها الشيطان فخنَقَها، فانفتل من صلاته، ودعَا لها فذهب عنها الشيطان، ثم أقْبل على صلاته فجاءَها الشيطان فخنَقها، وكان يكشِف عنها ويتعرَّض بها لبرصيصا، ثم جاءَه الشيطان، فقال: ويحَك! واقِعْها، فما تجد مثلَها، ثم تتوب بعد ذلك، فلم يزل به حتى واقعَها فحملتْ وظهر حملُها، فقال له الشيطان: ويحَك! قد افتضحتَ، فهل لك أن تقتُلَها، ثم تتوب فلا تفتضح، فإنْ جاؤوك وسألوك فقل: جاءَها شيطانها فذَهَب بها، فقتَلَها برصيصا، ودفنها ليلاً، فأخذ الشيطان طرفَ ثوبها حتى بقي خارجًا من التراب، ورجَع برصيصا إلى صلاته.
ثم جاء الشيطانُ إلى إخوتها في المنام، فقال: إنَّ برصيصا فعَل بأختكم كذا وكذا، وقتَلَها ودفنَها في جبل كذا وكذا، فاستعْظَموا ذلك، وقالوا لبرصيصا: ما فعلتْ أُختنا؟ فقال: ذهب بها شيطانُها، فصدَّقوه وانصرفوا.
ثم جاءَهم الشيطان في المنام، وقال: إنها مدفونةٌ في موضع كذا وكذا، وإنَّ طَرْف ردائها خارجٌ من التراب، فانطلقوا فوجدوها، فهَدَّموا صومعته وأنزلوه وخنَقوه، وحملوه إلى الملِك فأقرَّ على نفسه فأمر بقتْلِه، فلما صُلِب قال الشيطان: أتَعرِفني؟ قال: لا والله، قال: أنا صاحبُك الذي علمتُك الدعوات، أما اتقيتَ الله، أما استحيت وأنت أعبدُ بني إسرائيل؟! ثم لم يَكفِك صنيعك حتى فضحتَ نفسك، وأقررتَ عليها، وفضحتَ أشباهك من الناس، فإنْ متَّ على هذه الحالة لم يفلحْ أحد من نظرائك بعدَك، فقال: كيف أصنع؟ قال: تُطيعني في خصلة واحدة وأنْجيك منهم، وآخذ بأعينهم، قال: وما ذاك؟ قال تسجُدُ لي سجدةً واحدة، فقال: أنا أفعل، فسجَد له من دون الله، فقال: يا برصيصا، هذا أردتُ منك، كان عاقبة أمرك أن كفرتَ بربِّك، إني برئ منك، إني أخاف الله ربَّ العالمين!
فما أراد الشيطان منه أن ينظرَ إلى الحرام ولا أن يخلوَ بأجنبية، بل ولا حتى أن يزنيَ بها ثم يقتُلها ووليدَها، إنما أراد أن يسجُدَ له، ويكفر بربه، فيكون من أصحاب النار، وبئس المصير.
فلا تظنَّ أنَّ أصحاب الأفلام والمسلسلات والحَفَلات والرَّقَصات، والقنوات والإذاعات، والصور والمجلات، يريدون أن نرتكبَ المعاصي، لا واللهِ، إنهم يريدون الميلَ العظيم؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق